نهايه ياسر

في حي شعبي قديم كان فيه ولد صغير اسمه ياسر. كان بيحب يلعب مع أطفال الشارع بيجري وبيضحك وبيعيش كل لحظة في طفولته بفرحة بريئة. كل يوم وهوة بيجري ويلعب كان يمر جنب المصحف اللي في البيت وكان يحس كأنه بيناديه اقرأ الورد يا ياسر لحظة واحدة مش هتاخد منك كتير. لكن ياسر كان دايما يقول لنفسه لسه صغير بكرة أبدأ.

مرت السنين وياسر كبر شوية. دخل المدرسة وبقى يقضي وقت طويل في المذاكرة. وكل مرة يقعد فيها يذاكر كان المصحف في نفس المكان بيناديه بهدوء تعال اقرأ الورد افتحني ولو لصفحة واحدة. وياسر يرد على نفسه دلوقتي عندي امتحانات بعد ما أخلص بقرأ.
كبر ياسر أكتر وبقى يقضي وقت طويل قدام الكمبيوتر يلعب ألعاب لساعات. وبرضه كل مرة يقعد قدام الشاشة كان يسمع النداء الهادئ يا ياسر اقرأ الورد. وقتك بيمر. وياسر يقول خلص الجيم دي وبعدين أقرأ.
عدت الأيام وياسر في الجامعة وسط المذاكرة والتخطيط لمستقبله. والمصحف لسه بيناديه ياسر لسه عندك وقت. ابدأ دلوقتي. لكن زي كل مرة ياسر قال لنفسه فيه مشاريع وشغل كتير لما أخلص اللي ورايا ببدأ أقرأ.
بعد الجامعة ياسر بدأ حياته العملية وكان دايما مشغول في الشغل والاجتماعات. والمصحف لسه بيناديه ياسر الدنيا مش هتستناك اقرأ الورد. وياسر يرد لسه معايا وقت طويل مش هيفوتني حاجة.
السنين عدت وياسر عاش حياته في دوامة كل مرة يأجل النداء. وكل مرة كان يقول لنفسه بكرة بكرة أبدأ.
لكن في يوم ياسر وقع مريض والمړض كان شديد. وهوة على سريره حاسس بألمه المصحف كان موجود جنب السرير والنداء الأخير خرج بصوت أضعف ياسر اقرأ الورد مفيش وقت تاني.
في اللحظة دي ياسر حس بشريط حياته بيتعرض قدام عينيه. كل مرة سمع فيها النداء وأجله كل لحظة ضاعت منه في الدنيا وكل لحظة فضل فيها الدنيا على الآخرة. الدموع كانت بتنزل من عينه مليانة ندم لكنه كان مش قادر ينطق. عينه كانت بتدور على المصحف لكن صوته مش راضي يطلع. أطفاله بيصرخوا جنبه
يطلبوا منه يقول الشهادة لكنه كان عاجز. الشهادة مش قادرة تطلع من فمه وكأن الدنيا اللي عاش فيها كانت تقفل عليه الطريق.
وفي اللحظة الأخيرة سمع النداء للمرة الأخيرة واختفت الدنيا من قدامه وفضلت دمعة الندم نازلة من عينه...